للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخاه هارون؛ ليشد أزره بفصاحة لسانه، وحسن بيانه، فقال: وأرسل معي أخي هارون {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} [القصص: ٣٤].

لفصاحة رسول الله وحسن بيانه بعد الفيض الإلهي أسباب، منها: أنه قرشي، وقريش أفصح العرب لساناً، وأبرعها بيانًا، وأنه نشأ في بني سعد؛ حيث استرضع فيهم، وبنو سعد من أرقى قبائل العرب فصاحة، وبذلك جمع الرسول الأكرم بين جزالة كلام البادية، ورونق كلام الحاضرة.

ولنزول القرآن الكريم عليه، وهو البالغ مرتبة الإعجاز، أثر كبير في سمو فصاحته، رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سحابة في يوم دجن، فقال لمن كان في الحضرة: "كيف ترون بواسقها؟ " (١)، قالوا: ما أحسنها وأشد تراكمها! قال: "كيف ترون قواعدها؟ " (٢)، قالوا: ما أحسنها وأشد تمكنها! قال: "كيف ترون رحاها؟ " (٣)، قالوا: ما أحسنها وأشد استدارتها! قال: "كيف ترون جونها؟ " (٤)، قالوا: ما أحسنه وأشد سواده! قال: "كيف ترون بريقها، أخفياً أو وميضاً، أم يشق شقًا؟ "، قالوا: بل يشق شقاً، فقال: "الحيا" (٥). فقال رجل: يا رسول الله! ما أفصحك! ما رأينا الذي هو أعرب منك، قال: "حق لي؛ فإنما أُنزل القرآن على بلسان عربي مبين".

ولسعة العلم بلهجات العرب دخل كبير في إحراز المرتبة العليا في


(١) بواسقها: ما استطال من فروعها.
(٢) ما اعترض من السحاب وسفل.
(٣) رحاها: وسطها.
(٤) الجون: الأسود.
(٥) الحيا: المطر.