وفي الناس من تسمو حكمته في بعض نواحي الحياة، وتقتصر في بعض، أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيلقي الحكمة في النواحي المختلفة من شؤون الحياة الفردية أو الاجتماعية، فترد في أعلى طبقة من سمو اللفظ وحسن التصوير، فهو الذي يتكلم في الحقوق مثلاً، فيقول:"ولا يجني على المرء إلا يده". ويتكلم في سياسة الحرب، فيقول:"الحرب خدعة". ويحذر من الخروج عن جماعة المسلمين فيقول:"من خالف الجماعة، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه". ومن الظلم فيقول:"الظلم ظلمات يوم القيامة". ويشير إلى أن شأن المؤمن أن يكون نبيهاً حازماً، فيقول:"لا يلدغ المؤمن من جُحر مرتين".
لبلاغته - صلى الله عليه وسلم - مظاهر شتى، ومن أوضح مظاهرها: الأمثال التي يضربها لإخراج المعاني في صورة المحسوسات، أو إخراج المحسوسات الخفية في صورة المحسوسات الجلية.
انظروا إلى قوله في موقع بعثته من بعثات الأنبياء قبله:"إنما مثلي ومثل الأنبياء قبلي مثل رجل بني داراً، فأكملها وأحسنها إلا موضعَ لبنة، فجعل الناس يدخلونها، ويتعجبون منها، ويقولون: لولا موضع تلك اللبنة، فكنت أنا موضع تلك اللبنة". وإلى قوله في محو الصلوات للآثام:"أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم، يغتسل منه خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ ". وإلى قوله فيما ينبغي أن يكون عليه المسلمون من الإخاء والتراحم:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى عضو منه، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".