المشركون، وكانوا مطبوعين على التعنت، فتلقوها بالتكذيب، فقال تعالى:{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ}[الإسراء: ٥٩]. فهذه الآية تفهم على معنى أن الأولين قد كذبوا بآيات من جنس الآيات التي اقترحها هؤلاء الآخرون، فكان تكذيبهم كأنموذج لتكذيب أمثالهم المتعنتين من كفار قريش للآيات التي اقترحوها لو وقعت.
وأما الآية الثانية، فإن كفار قريش قالوا على وجه التعنت أيضاً:{لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ}[يونس: ٢٠]. ولما كان المقصود من إنزال الآيات: توجيه النفوس إلى الإيمان بصدق الرسول من طريق الاستدلال، كان الأمر في اختيار الآيات يرجع إلى مشيئته تعالى؛ إذ هو العالم بما يوافق حكمة الدعوة، ويكفي في دلالة النفوس غير المتعنتة على أن دعوة الرسول حق، فقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ}[العنكبوت: ٥٠]. وقد أراهم آيات كافية في الدلالة على أن محمداً رسول حق، فلو كان قصدهم الوصول إلى الحق، لاكتفوا بها، ولما كان القرآن الحكيم أعظم هذه الآيات وأوضحها دلالة، وأبقاها نصب أعينهم، قال تعالى:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}[العنكبوت: ٥١].
وخلاصة هذه الكلمة: أن من دلائل النبوة خوارقَ عادات جرت على يد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد اشتملت كتب السنة الصحيحة على نصيب منها، ولو سلمنا أن حديث كل واحد منها لم يبلغ حد التواتر، فإن مجموعها قد بلغ هذا الحد بلا ريب.