- عليه الصلاة والسلام -: "كان إذا خطب، احمرت عيناه، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش بها.
والناس يعرفون الغضب المتصنَّع، والبكاء الذي لم تبعثه خشية، فينبغي للخطيب أن يترك نفسه على فطرتها، ولا يهزها إلى مظهر الخشوع والغضب هزًا؛ ليري الناس أنه حريص على إصلاحهم. ومن شواهد الرياء أن يأمرهم بالخير وينسى نفسه.
وكان - عليه الصلاة والسلام - ينظر إلى حال القوم يوم الخطبة، فيلقيها على مقتضى حالهم، فيأمر بمعروف أخلُّوا به، أو يحذر من مكروه اقتربوا منه، وجرى على هذا الخلفاء الراشدون، والخطباء المصلحون. وهذا منذر بن سعيد قاضي قرطبة رأى الخليفة عبد الرحمن الناصر قد أسرف في تشييد المباني وزخرفتها؛ كما صنع في بناء "الزهراء"، فاتجه بخطبته إلى هذا الغرض، وأنكر فيها الإسراف في البناء والزخرفة، وإنفاق الأموال في غير مصلحة.
وشأن الخطب التي تلقى على طبقات من الناس متفاوتة في العلم والفهم: أن لا يتعرض الخطيب فيها إلى المسائل التي قد يتعثر فهمها على كثير منهم، أو يتناولونها على غير وجهها، وكانت خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - جارية على هذا الشأن؛ بحيث يستوي في فهمها الطبقات المختلفة دون أن يجدوا فيها ما ينبو عنه الفكر، أو يحار فيه العقل. وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يراعون هذا الأدب الحكيم، فقد روى البخاري: أن عمر بن الخطاب أراد أن يخطب أيام الحج في أمر عرض له، فقال له عبد الرحمن بن عوف: "لا تفعل؛ فإن الموسم يجمع رعاع الناس يغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها، فيطيروا بها كل