للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يقول: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته من فقهه".

وكانت خطبه - مع قصرها - ممتعة بالحكمة والموعظة الحسنة، إذ تجيء حافلة بجوامع الكلم، والجمل التي تجري على الألسنة مجرى الأمثال إيجازاً وبلاغة.

وقد يطيل الخطبة في غير يوم الجمعة متى اقتضى الحال الإطالة، روى أبو سعيد الخدري: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب بعد العصر، ولم يزل يخطب حتى لم يبق من الشمس إلا حمرة على أطراف السعف".

وكان يفتتح الخطبة بحمد الله، والثناء عليه، ويصلهما بالتشهد، ويقول: "أما بعد" متنقلًا بها إلى حكمة أو موعظة، وقد يدع الخطبة العامة، ويتجه في أثنائها إلى إرشاد شخص بعينه متى خشي فوات الفرصة. جاء رجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة، فقال - عليه الصلاة والسلام -: "صليت يا فلان؟ "، فقال: لا، فقال: "قم فاركع"، ثم عاد إلى الخطبة.

وقد يستعين - عليه الصلاة والسلام - في تثبيت المعنى بالإرشاد بيده إشاره مناسبة للمعنى كما قال في إحدى خطبه: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، وروي أنه كان يشير بأصبعه السبابة عند ذكر الله تعالى ودعائه.

فالإشارة باليد لا تنافي وقار الخطيب متى استعملت في أثناء الخطبة استعمالاً مناسباً للمعنى. ومما يجعل للخطبة أثرًا بليغًا في النفوس: أن يكون الخطيب مخلصًا في وعظه، حريصاً على أن يأتي بثمرات طيبة من المسارعة إلى الخير، والإقلاع عن الشر، وقد يظهر لهذا الإخلاص أمارات في وجه الخطيب أو صوته؛ كاشتداد الغضب عند الإنذار، وورد في الصحيح: أنه