إليها الناس حين يذكرون مولده الكريم، وما كان ليخفى عن كاتب المقال أن العظمة التي يتجه إليها الناس في ذلك الحين إنما هي البلوغ في خصال الكمال وعظم القدر مرتبة قصوى.
قال صاحب المقال:"وما أبعدَ رسلَ الله الداعين إليه، وما أبعدَ محمداً خاصة، من أن يبالوا بتلك العظمة التي يعبد الناس، ومن أن يبالوا أكانوا عند الناس في مقام العظماء، أم دون ذلك".
لا تبالي رسلُ الله - ومحمد خاصة - بالعظمة التي تُتخيل في نحو اللصوصية، أما العظمة التي تتمثل في خصلة من خصال الشرف؛ كالعلم والشجاعة، فعظمة داخلةٌ في هداية الرسل -عليهم السلام-، وقد سمعتم كاتب المقال يذكر في مظاهر العظمة: العلم، وهذا المظهر مما عني به الإِسلام جهد العناية، فلا يليق برجل فتح بصره في القرآن - ولو قليلاً- أن يزعم أن محمداً - صلوات الله عليه - لا يبالي بعظمة العلم، ففي التنزيل الحكيم:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٩] ولتجدن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عظيماً في علمه، وما علمه النافع إلا مظهر من مظاهر عظمته البالغ حد الإعجاز.
قال صاحب المقال:"ومحمد هو الذي أبى للناس إلا أن يكونوا سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وإلا أن يكونوا على قدم المساواة، فكلهم لآدم، وآدم خلق من تراب، وأبى أن يكون في الناس عظماء وغير عظماء، وسواء فيهم من تزدريه الأعين، ومن يروق مناظره، وسواء فيهم السوقة والملوك".
ما كان لكاتب المقال أن يجلس للفصل في العظمة قبل أن يولي وجهه