شطر العظمة، يقول: إن محمداً أبى للناس إلا أن يكونوا سواسية، وإلا أن يكونوا على قدم المساواة، وسواء فيهم السوقة والملوك، وهذا القول لا يتصل بالعظمة التي يتجه الناس إلى البحث عنها عندما يذكر المصطفى -صلوات الله عليه- ولا يقوم دليل أو شبه دليل على أنه - عليه السلام - لا يبالي بالعظمة الداخلة في حدود الشرف والكمال، بل كان - صلوات الله عليه - يجل هذه العظمة، ويدعو إلى التنافس في مثل هذه العظمة، وإنما كان ليمقت العظمة التي هي الزهو والأبهة، وهي التي كان ينهى عنها، وينذر سوء عاقبتها.
فمن الافتراءات على الإِسلام: أن يقول قائل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأبى للناس أن يكون فيهم عظماء على معنى: أنه يكره أن تكون فيهم العظمة التي يمتاز بها بعض الرجال، ويسميهم الناس من أجلها عظماء، فصاحب المقال نفسه يذكر في مظاهر العظمة: العلم، والنبوغ في الفنون والصنائع، أفيصح بعد هذا أن يزعم أن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - يأبى للناس أن يكون فيهم عظماء؛ أي: بالغون في العلم مراتب سامية، أو نابغون في بعض الفنون والصنائع؟!.
لا يزعم هذا إلا من يجهد فكره بحشر حجج يطمع في أن يغير حقيقة الإِسلام، ويعرضها في صورة خالية من كل حكمة وعظمة.
نعم، جاء الإِسلام ليجعل الناس على قدم المساواة، ويجعل الملوك والسوقة في مستوى واحد، ومعنى هذا، أن يتمتع الناس بالحرية في نفوسهم وأموالهم، وأعراضهم وسائر حقوقهم، وأن يكون السوقة والملوك في نظر السلطة القضائية أو التنفيذية على السواء، وليس من المعقول أن تحمل المساواة في الإِسلام على معنى عدم التمايز بالعظمة التي تدرك بنحو العلم