وهل يستطيع كاتب المقال أن يدلنا على رجل كان ناسكا مخلصاً، ومشرعاً حكيماً، وقاضياً عادلاً، ومرشداً ناصحاً، وواعظاً بليغاً، وسياسياً أميناً، ومجاهداً مصلحاً، وفاتحاً ظافراً، وسيداً تذوب في محبته القلوب، غير المصطفى - عليه الصلاة والسلام -؟.
وأما حسن بيانه، فقد أحرز - عليه الصلاة والسلام - من خصلتي الفصاحة والبلاغة الغاية التي ليس وراءها لمخلوق غاية، فانظروا إن شئتم إلى مخاطباته وخطبه، وما يضربه من الأمثال، وينطق به من جوامع الكلم، تجدوا جزالة اللفظ، ومتانة التركيب، وسهولة المأخذ، إلى رفعة الأسلوب، إلى حكمة المعنى.
عظمة انتظمت من هذه المزايا العالية، فبلغت حد الاعجاز، وكل درة في عقد حياة محمد - عليه الصلاة والسلام - معجزة.
وأذكر بهذه المناسبة بيتين ينسبان إلى صاحبنا الأستاذ محمد حبيب العبيدي مفتي الموصل لهذا العهد، وهما:
سيد الرسل ومن بعثته ... كست الكون بهاء وفخارا
قم إلى النور الذي جئت به ... أفترضى أن يصير النور نارا؟!
وكان أحد فضلاء الشام قد اقترح عليَّ تشطيرهما، فكان التشطير:
"سيد الرسل ومن بعثته" ... سطعت فانقلب الليل نهارا
سُلبت أمتك العز وكم ... "كست الكون بهاء وفخارا"
"قم إلى النور الذي جئت به" ... والورى في غسق الجهل حيارى