كان الوحي يدور أولاً حول تحديد الدعوة، وبيان الغرض منها، ولفت الأنظار إلى أدلتها، وذكر ما ينفع فيها من قصص الأولين، وعبر الماضين، وتسلية الرسول، وتحري عوامل القوة الروحية في نفسه، وتعويده عدم الاكتراث بما يجابه به من الإيذاء والتكذيب والاضطهاد، وقد اتجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الناحية في تفكيره وأعماله وأقواله وسائر تصرفاته، يبلغ الدعوة، ويعالج الصبر على الإيذاء في سبيلها، ويحاول جمع القلوب حولها، ويرسم للناس دائرتها، ويركز أصولها في النفوس، ويعمل على إيجاد بيئة إسلامية صالحة لما يرد عليها فيما بعد من مبادئ التشريع".
تحدث الكاتب عن اتجاه الوحي بمكة، وذكر أنه كان يدور حول تحديد الدعوة، وحدثنا عن اتجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر أنه كان يرسم دائرة الدعوة، ولم يفصح الكاتب هنا عن وجه تحديدها، أو رسم دائرتها، وستمر بنا جمل من مقاله تلوح إلى حدود وظيفة الرسول السماوية، وتجعلها في دائرة أضيق من دائرتها، وسنناقشها برفق، وندفع شبهتها بحجَّة.
قال الكاتب: "إن الوحي في مكة كان يدور حول تحديد الدعوة، وبيان الغرض منها، ولفت الأنظار إلى أدلتها". وهذه الجمل تخيل إلى القارئ أن الوحي في مكة وقف دون شرع الأحكام العملية، وأن مبادئ التشريع إنما تناولها الوحي بالمدينة، والواقع أن الوحي بمكة قد شرع أحكامًا ترجع إلى العبادات، وأخرى إلى العادات أو المعاملات: شرعت هنالك الصلوات الخمس، ونزل الوحي فيما يحل ويحرم من المطعومات، ووردت آيات وأحاديث في الأمر بأعمال صالحة؛ كسد حاجات الفقراء، وأخرى في النهي