للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والاجتهاد في أحكام الشريعة من هذا القبيل؛ إذ لم يكن من مقتضيات البشرية الراقية في كل حال، وإنما هو تفكير خاص تتوسل به أنظار الفقهاء إلى استخراج الأحكام الشرعية عند الحاجة، وليس للرسول من حاجة إليه؛ حيث يتيسر له الوصول إلى الحكم الشرعي من طريق أسمى منه، وهو الوحي، فشتان بين من يقولون: إن الرسول غني بالوحي عن الاجتهاد في تقرير الأحكام الشرعية، وبين أولئك الذين {قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٤].

قال كاتب المقال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر، وفي أسمى مراتب البشرية، وقد اكتسب شخصية الفقيه المجتهد، كما منح شخصية الرسول المبلغ عن الله، وهو أول الفقهاء، كما أنه خاتم الأنبياء، فلينظر إذن فيما ورد منه - صلى الله عليه وسلم - على هذا الأساس الذي يجمع بين الرسول والفقيه".

النبي - صلى الله عليه وسلم - في أسمى مراتب البشرية عقلاً وفطنة، وخلقاً واستقامة، وهذا السمو لا يستلزم أن يكون مجتهداً في أحكام الشريعة؛ فإن الوحي هو الذي شأنه أن يأذن في هذا الاجتهاد، وقد أذن فيه لعلماء الأمة حيث تقوم الحاجة إلى ذلك، ويبقى البحث في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن له في الاجتهاد، أو لم يؤذن، فمن يقول: لم يؤذن له فيه، لا يبني قوله على دعوى أنه - عليه الصلاة والسلام - لم يستوف وسائل الاجتهاد, من نحو الفهم والعلم، بل يقول: لم يؤذن له فيه؛ لفقدان شرط راعاه الوحي هو: أن تدعو إليه الحاجة، فما كان لمناظر المنكِر أن لاجتهاد الأنبياء في أمور الدين، أن يتحدث في مناظرتهم عن البشرية الراقية، ومراتبها العالية، ولوازمها السامية.

قال كاتب المقال: "اقتضت حكمة الله أن يسوس عباده، ويحقق مصالحهم بنوعين من التشريع: نوع يتولاه بنفسه، وينص فيه على ما يريد،