ويرسل به الوحي إلى نبيه، ونوع آخر يسكت عنه، فلا ينص عليه غيرَ نسيان ولا إهمال، ولكنه رحمة بعباده يكله إلى أصحاب الرأي والنظر؛ لاختلاف المصلحة فيه باختلاف الظروف والأحوال".
ساس الله عباده بنوعين من التشريع: نوع دلت عليه نصوص الكتاب والسنّة بأحد طرق الدلالات الصحيحة المقررة في الأصول، ونوع آخر لم يظهر في النصوص ما يدل عليه، وهذا ما وكله الله إلى أصحاب الرأي والنظر بعد أن رسم له خططاً، ووضع له أصولاً تتراءى للناظرين في كثير من موارد النصوص، فأصحاب الرأي والنظر الذين وكل الله لهم أن يجتهدوا، هم الذين يستطيعون أن يصوغوا الأحكام في صور يتحرون بها ما أراده الشارع من إصلاح شؤون الأفراد والجماعات.
ذكر الكاتب النوع الأول، وهو ما نص عليه الشارع، وأرسل به الوحي، وجعل مقابله ما تختلف فيه المصلحة باختلاف الظروف والأحوال، ومعنى هذا: أن الاجتهاد إنما يجري فيما تختلف فيه المصلحة باختلاف الظروف والأحوال.
والواقع أن الاجتهاد قد يجري في هذا النوع , كالاجتهاد في حكم واقعة تندرج تحت قاعدة رعاية العرف، أو قاعدة ارتكاب أخف الضررين، أو قاعدة سد الذرائع؛ فإن العرف قد يتغير، وربَّ شيء يخف ضرره في وقت، ويشتد ضرره في وقت، ومن الأشياء ما يكون ذريعة إلى فساد في وقت، ولا يكون ذريعة إلى فساد في وقت.
وقد يجري الاجتهاد فيما لا تتغير فيه المصلحة؛ كقياس واقعة غير منصوص على حكمها على واقعة نص على حكمها، فحيث كان القياس ينبني