العظيم، ذلك أن استحقاق العذاب لا يتحقق إلا عند توافر أسبابه، وانتفاء موانعه، وقد دلّ قوله تعالى:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ}[الأنفال: ٦٨] على أن أسبابه لم تتحقق؛ إذ يفسر الكتاب السابق بأنه تعالى لا يعاقب على أمر إلا بعد أن يتقدمه نهي، والقوم لم يتلقوا قبل هذه الواقعة نهيًا، وقصارى ما تدل عليه الآية: أن أخذ الفداء في هذه الواقعة بالغ في مخالفة ما هو الأولى إلى درجة ما لم يمنع من العقوبة عليه إلا عدم تقدم النهي عنه.
وأما واقعة عتابه على إعراضه عن الأعمى، فهي المشار إليها بقوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس: ١ - ٢].
والآية الكريمة تضمنت عتابه - عليه الصلاة والسلام - على إعراضه عن ابن أم مكتوم، ولم تدل قط على أنه أخطا في تقرير حكم شرعي؛ إذ الحكم الشرعي في مثل هذا مقرر من قبل، وهو أن لقاء الناس بطلاقة وجه، والإقبال على من يسائل، موكولان له - عليه الصلاة والسلام -, يأخذ بهما حسب ما تقتضيه الحال، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخاطب وجهاء مشركي قريش، وهو يرجو أن يجيبوا دعوته، وبينما هو مجد في دعوته، أخذ ابن أم مكتوم يجاذبه الحديث، ويسائله التعليم، فكان من رسول ال - صلى الله عليه وسلم - أن أعرض عنه، وكره منه أن يقطع مواصلته الدعوة لأولئك المشركين، حتى بدا أثر الكراهة في وجهه، فعتابه - عليه الصلاة والسلام - كان على أمر فعله ابتغاء الخير، وحرصا على انتشار الدعوة، ولكن الله تعالى أراد أن يريه أن إقباله على نفس مستقيمة على الطريقة، حريصةٍ على أن تتفقه في دين الله، خيرٌ من إقباله على تلك النفوس الطافحة بالشرك، المصرة على باطلها، وأراد الله أن يذكره بهذا العتاب: أن واجبه دعوة أهل الكفر إلى الإِسلام، وليس عليه أن يدخلوا فيه،