للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من آراء أصحابه ما هو الأقرب إلى مصلحة هذه الحرب: أهو الفداء، أم القتل؟ فرأى بعضهم القتل، وأبدى لرأيه وجهًا، ورأى بعضهم الفداء، وأبدى لرأيه وجهًا، وبدا للنبي- صلى الله عليه وسلم - أن الفداء أرجح، فأقره، وأخذ به، ونزل عقب هذا قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: ٦٧].

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستشر أصحابه في تقرير حكم شرعي، وإنما يكون استشارهم في تقرير حكم شرعي لو استطلع آراءهم في حكم أسرى الحرب، وهو إنما استشارهم في أسرى هذه الواقعة؛ ليستخلص من بين آرائهم ما هو الأرجح من الأمرين اللذين خيره الله فيهما، وتعيين أحد أمور جائزة له - صلى الله عليه وسلم - لا يعد استنباطاً لحكم شرعي مجهول.

فالآية الكريمة وردت للتنبيه على أن الأَولى هو القتل، والعتاب فيها لم يوجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة؛ كما ورد في آية: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُم} [التوبة: ٤٣]، بل ورد في أسلوب خطاب الجمع، فقال تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}، وأساليب المخاطبات العربية تسيغ أن تكون هذه الكلمة موجهة إلى طائفة ممن أشاروا بالفداء، وقد خطر في نفوسهم أن ينالهم شيء منه ينتفعون به في شؤونهم الخاصة، وليس من المعقول أن يكون هذا الخاطر قد وقع في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو في نفس مثل أبي بكر - رضي الله عنه -، فالنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أبو بكر إذا رأى أن الفداء أصلح إنما يريد من ذلك الاستعانة به في أمور الدين، ومن البعيد أن يسمى صاحب هذه الإرادة مريداً للدنيا.

وقوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٦٨]، لا يدل على أن أخذهم الفداء مخالفة تستحق العذاب