حكم على واقعة، والخطأ في تطبيق الحكم على واقعة جزئية أهون وأخف من الخطأ في استنباط حكم أو تقرير أصل، ونبني على هذا: أن الوقائع التي نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اجتهد فيها وأخطأ، ليس في واحد منها خطأ في تقرير أصل، ولا استنباط حكم عام، إنما هي واقعة تعرض، فيطبق عليها حكم غير الحكم الذي هو أولى بها.
أما واقعة إذنه للمنافقين في التخلف، فهو أنه - عليه الصلاة والسلام - أُعطي الخيار في أن يأذن لمن شاء في التخلف، قال تعالى:{فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ}[النور: ٦٢]، ومعنى هذا الخيار: أن يأذن لمن يبدي عذراً صحيحاً، أو يبدو له أن ليس في التحاقه بالجيش مصلحة، ومن هذا القبيل إذنه للمنافقين في التخلف؛ أخذًا بالظاهر من أعذارهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن خروجهم في جيش المسلمين مفسدة، قال تعالى:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا}[التوبة: ٤٧]، فالله لم يعاتبه على نفس الإذن للمنافقين، وإنما عاتبه على أنه أذن لهم في التخلف عندما اعتذروا، والأَولى تأخير الإذن لهم ريثما يتبين من كان له عذر حقيقي ممن كان اعتذاره غير صادق، ففي ظهور كذبهم في الاعتذار افتضاح أمرهم، وقطع لهم عن أن يتحدثوا فيما بينهم، أو يناجوا شياطينهم بأنهم استطاعوا أن يخادعوا الرسول -عليه الصلاة والسلام-, ويرضوه ببهرج أقوالهم، وقد أومأ إلى موضع العتاب: قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَم الْكَاذِبِينَ}[التوبة: ٤٣].
وأما واقعة بدر، فمحمولة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مخيراً في الأسرى بين الفداء والقتل، فطرح مسكله أسرى بدر على بساط الشورى؛ ليتبين له