للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقتضى اجتهادهم، وكثيراً ما كانوا يخبرون النبي - صلى الله عليه وسلم - بما اجتهدوا، فإما أن يراهم مصيبين، فيقرهم، وإما أن يراهم قد أخطؤوا، فينبههم إلى وجه خطئهم، ومن شواهد هذا: قصة خالد بن الوليد إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بني جذيمة، وجعل فريق منهم يقولون: صبأنا صبأنا، فلم يفهم خالد أنهم يريدون الإِسلام، وتعجل فأذن في قتلهم، وخالفه قوم فلم يقتلوا من كان تحت أيديهم من الأسرى، حتى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكروا له ذلك، فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد - مرتين" (١).

ويدلنا على أنهم كانوا إذا أشكل عليهم أمر، وكان في إمكانهم تأخير الفصل فيه إلى استرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلوا: قصة الصحابة الذي رقوا بسورة الفاتحة سيد حي من أحياء العرب، فشفي، فأتاهم أهل الحي بقطيع من الشاء جُعلًا على الرقية، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما عادوا، سألوه، فأذن لهم في أخذها (٢).

وكان - صلى الله عليه وسلم - يزود الأمراء أو الوفود بوصايا فقهية، ويوجه إليهم بكتب تشتمل على أحكام شرعية؛ كالكتاب الذي أرسله إلى أمراء اليمن، وهو كتاب يشتمل على أحكام في الزكاة والديات والطلاق والعتاق، وغير ذلك (٣).

قال كاتب المقال: "وكان يسارع أحياناً إلى الجواب عما يسأل عنه من غير أن ينتظر الوحي، وأحيانا ينتظر أمر الله، ويقول: لم ينزل علي فيه شيء؛ كما في حادثه المرأة التي جادلت زوجها، وكما في حادثة الرجل الذي قذف


(١) "صحيح البخاري".
(٢) "صحيح البخاري".
(٣) رواه الحاكم في "صحيحه"، والنسائيُّ، وأبو داود.