خص كاتب المقال في الجمل السابقة اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - بما تختلف فيه المصلحة باختلاف الأحوال، وخص الوحي بالشؤون المتعلقة بأساس الدعوة والجانب الخلقي والعبادة، ثم قال:
"وقد حدد الفقهاء مواضع الاجتهاد، ومواضع النص".
إيراد الكاتب لهذه الجملة عقب ذكره لما ينزل به الوحي وما لا ينزل، وما يجتهد فيه النبي -صلوات الله عليه -، وما لا يجتهد، ظاهر في أنه يريد من النص: الوحي، ومعنى هذا: أن الفقهاء حددوا مواضع الوحي، ومواضع الاجتهاد.
وهل حدد الفقهاء مواضع الوحي؟
ليس من المعقول أن يحدد الفقهاء وهم يبحثون عن الأحكام الشرعية مواضع الوحي، فهم لا يختلفون في أن الوحي يرد في العقائد، والجانب الخلقي، والعبادات، وفي كل ناحية من نواحي الحياة.
وهل حدد الفقهاء مواضع الاجتهاد؟
لا نعرف للاجتهاد في الأحكام الشرعية مواضع محددة سوى ما يذكره علماء الأصول في كتاب القياس من نحو قولهم: إن القياس لا يجري في الأسباب والحدود والكفارات والرخص، على اختلاف بينهم فيما كان من هذا القبيل.
وكيفما كان تحديدهم لمواضع الاجتهاد، فإنه لا يجدي الكاتب في هذا المقام نفعاً؛ لأن الذي يهمه أن تكون مواضع الوحي محدودة حتى يمكنه متى وجد حديثاً شرعياً أن يقول: هذا صادر عن اجتهاد؛ لأنه خارج عن المواضع المحدودة للوحي.