الأمم. ويلحق بذلك كل ما ورد عنه مما يتعلق باللباس والأزياء، والتشبه بقوم، ومخالفة اليهود والنصارى والمجوس والمشركين، وما إلى ذلك مما لا يمس ناحية من العقيدة، ولا يعقل فيه معنى التعبد، وإنما هو في الشؤون الاجتماعية البحتة التي تعرفها الأمم في كل العصور والأجيال، وينزع إليها الزعماء والقادة في القديم والحديث، والأمر فيها راجع إلى ما تراه الأمم، وتقدر فيه قوميتها ومصلحتها وسيادتها".
إمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - تقررت بالوحي، فالوحي هو الذي أنشاها، واستمر يمدها بأوامر ونواه حتى قامت على قدم راسخ، وأصبحت المثل الأكمل الذي أقامه الله للأئمة من بعده، وأمرهم بأن يكونوا على آثاره مقتدين.
وكان الوحي ينزل في كثير من التصرفات العائدة إلى الإمامة؛ كإعداد القوة، وإعلان الحرب، والدعوة إلى الخروج إليها، والإذن في التخلف عنها، وأخذ البيعة على المناصرة فيها، والأخذ فيها بالحذر والحزم، والزجر عن الفرار من مواقعها، ومعاملة الأسرى، وإعطاء الأمان للمحاربين، وتقرير السلم، وعقد المعاهدات، وقسمة الغنائم، وضرب الجزية، وعقاب الذين يقطعون السبيل وشمعون في الأرض فساداً، والأخذ بالشورى.
فإمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - وليدة الوحي، وهي - وإن كانت تصرفاً "في الشؤون الاجتماعية التي تعرفها الأمم في كل العصور والأجيال"- قد رسم لها الشارع محجة غير الطرق التي تمشي فيها أمم لا دينية، فيعترضها من الأشواك والعثرات ما يعوقها عن إدارك الغاية المنشودة من الأمن وسعادة الحياة.
فإمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافة عن الله فيما اختاره لسياسة الأمم، ومن هنا كان جزاء الذين يخرجون عليها عذاب الهون في الدار الآخرة، ولولا أنهم خرجوا