للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجاهلية"، فالنياحة والندبة عند المصيبة هي المعبر عنها بدعوى الجاهلية. والنياحة والندبة ينهى عنها ولو لم تكن من شأن الجاهلية، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أضافها إلى الجاهلية؛ لزيادة التنفير منها, حيث إن المتقين يتحامون أن يتشبهوا بالضالين والمبتدعين، وقد ورد هذا النوع في كثير من الآيات؛ كقوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: ٣٣].

ثانيهما: أحاديث وردت في النهي عن التشبه بالمشركين، أو غيرهم من أهل الملل الباطلة في أشياء لا يظهر فيها وجه مفسدة، ولا وجه مصلحة، فيكون المقتضي للنهي هو مجرد التشبه، ويساق مثلاً لهذا حديث: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -إذا أَتبع جنازة، لم يقعد حتى توضع في اللحد، فتعرض له حبر (١)، فقال: هكذا نصنع يا محمد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "خالفوهم (٢) ".

ومن حقق النظر فيما يترتب على نفس التشبه بالمخالفين من آثار، ودخل إلى هذا التحقيق من باب دراسة علم النفس، أدرك وهو على بصيرة أن النهي عنه يقوم على مراعاة مفاسد هي من نوع المفاسد التي تشتد عناية الشارع بإزالتها، ومن ذا الذي يرى شخصا يترك زياً من أزياء إخوانه المسلمين، ويتزيا بزي يهودي أو نصراني، ولا يتبادر إلى ذهنه أنه ضعيف الإيمان, أو منحل العقيدة؟!

يقول كاتب المقال في هذه الجمل: "وما إلى ذلك مما لا يمس ناحية العقيدة، ولا يعقل فيه معنى التعبد، وإنما هو في الشؤون الاجتماعية البحتة التي تعرفها الأمم في كل العصور ... إلخ".


(١) من أحبار اليهود.
(٢) "صحيح البخاري".