صح للمجتهد أن يرجع بالواقعة المتجددة إلى نصوص أو أصول أخرى، ويقرر لها حكماً يلائم مقاصد الشارع في الإصلاح.
فالقاضي يسمع الدعاوى، ويسمع شهادة الشهود، ويتثبت في الدعاوى والشهادات، ويقدر ظروف القضية وأحوال المتقاضين، وله عمل آخر بعد هذا هو تطبيق الحكم الذي قرره الشارع لأمثال هذه القضية، فإذا رفعت إليه قضية ادعى فيها أحد على آخر أنه باع له ثمراً قبل بدو صلاحه، أو باع له ما ليس عنده، سمع القاضي الدعوى، وسمع شهادة الشهود بأنه باع له ثمراً لم يبد صلاحه، أو باع له شيئاً لا يملكه، وتثبت في الدعوى والشهادة، فكان كل منهما مستوفيا لما يشترطه القضاء، ونظر إلى ظروف القضية، وأحوال المتقاضين ما شاء أن ينظر، ولكن هذا كله لا يكفيه في إصدار حكم عادل إلا بعد أن يرجع إلى حكم الشريعة في مثل هذا البيع من صحة أو بطلان، ولا يكون قاضياً عادلاً في نظر الإِسلام إلا أن يجري في فصل القضية على هذا الحكم.
أما المسألة الأصولية التي أشار إليها الكاتب مستشهداً بها على أن أحكامه - عليه الصلاة والسلام - في دائرة القضاء غير عامة، فقد سيقت على وجه غير الوجه الذي ينبغي أن تساق عليه.
ذلك أن الأصوليين لا يختلفون في أن أحكامه - عليه الصلاة والسلام - ولو كانت على أشخاص معينين، هي عامة؛ أي: يجب اتباعها في كل قضية تشابه القضية التي قضى فيها - عليه الصلاة والسلام -, وإنما الخلاف في طريق عمومها، فقال بعضهم: هي عامة بالصيغة التي صدرت منه - صلى الله عليه وسلم -، وهذا القول معدود في الأقوال الضعيفة بينهم. وقال آخرون: هي عامة بمعناها لا بصيغتها؛ أي: إن حكمه - صلوات الله عليه - في قضية يكون شرعاً متبعاً في كل قضية