من صنف القضية التي حكم فيها، فلو رفع إليه شريك قضية طالباً الشفعة، فقضى له بها، علمنا أن كل شريك مستحق للشفعة، فمن لم يحكم من القضاة للشريك بالشفعة، كان حاكمًا بغير شريعة الإِسلام، فهؤلاء ينكرون أن يكون الحكم عاماً بالصيغة، ويقولون: إن قضايا الأعيان لا عموم لها في الأشخاص، ولكنهم يتمسكون بأن الحكم عام من جهة ارتباطه بسبب أو وصف، فمتى وجد الوصف أو السبب في أي شخص، أو في أي وقت، لزم الحكم لا محالة.
وهذا الذي قرره الراسخون في علم الشريعة يجري في الفتاوى والأقضية على سواء، وإن شئت أن نعرض عليك نصوصاً لبعض هؤلاء المحققين صاغوها في هذا البحث، فإليك بعض نصوصهم:
قال إمام الحرمين في كتاب "البرهان": "إذا خصَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحداً من أمته بخطاب، فهذا مما عده الأصوليون من مسائل الخلاف"، وبعد أن حكى الخلاف قال:"والقول هذا عندي مردود إلى كلام وجيز، فإن وقع النظر في مقتضى اللفظ، فلا شك أنه للتخصيص، وإن وقع فيما استمر الشرع عليه، فلا شك أن خطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان مختصاً بآحاد الأمة، فإن الكافة يلزمون في مقتضاه ما يلتزمه المخاطب، وكذلك القول فيما خص به أهل عصره، وكون الناس شَرْعا في الشرع، استبانة ذلك من عهد الصحابة ومن بعدهم، لا شك فيه، وكون مقتضى اللفظ مختصًا بالمخاطب من جهة اللسان لا شك فيه، فلا معنى لعد هذه المسألة من المختلفات، والشقان جميعاً متفق عليهما".
فانظر كيف جعل الحكم الشرعي الذي يتضمنه خطابه - صلى الله عليه وسلم - لواحد حكماً عاماً باتفاق.