وقال أبو إسحاق الشاطبي في كتاب "الموافقات": "الشريعة بحسب المكلفين كلية عامة، بمعنى: أنه لا يختص بحكم من أحكامها الطلبية بعض دون بعض، ولا يحاشى من الدخول تحت أحكامها مكلف البتة". وأخذ في الاستدلال على عموم الشريعة حتى قال:"الثالث: إجماع العلماء المتقدمين على ذلك من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولذلك صَيَّروا أفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة للجميع في أمثالها، وحاولوا فيما وقع من الأحكام على قضايا معينة، وليس لها صيغ عامة، أن تجري على العموم، إما بالقياس، أو بالرد إلى الصيغة، أو تجري على العموم المعنوي، أو غير ذلك من المحاولات؛ بحيث لا يكون الحكم على الخصوص في النازلة الأولى مختصًا بها، وقد قال تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ}[الأحزاب: ٣٧]، فقرر الحكم في مخصوص، ليكون عاماً في الناس، وتقرير حجة الإجماع لا يحتاج إلى مزيد؛ لوضوحه عند من زاول أحكام الشريعة".
فحمل الأحكام في الأحاديث الواردة في قضايا معينة على العموم هو الحق لا شبهة فيه، وهو العقيدة المعروفة عند أهل العلم، حتى من ينكرون القياس منهم، ويبالغون في إنكاره من أهل الظاهر، وهذا ابن حزم، وهو من أشد خصوم القائلين بالقياس، يقول بعموم الحكم في قضايا الأعيان، وإليك بعض ما يقول في كتاب "الأحكام":
"فإن اعترضوا (أي: أصحاب القياس) بأحاديث وردت في أناس بأعيانهم، فليس ذلك مما ظنوا، ولكن جميع تلك الأحاديث فيها أحكام وأصول توجب الأخذ بذلك الحكم في أنواع تلك الأحوال اتباعاً للفظ الحكم