فالمسلمون إذاً غير مكلفين بما أفتى به، أو قضى به كما تلقوه عنه، ومن هنا قال صديقه العالم في الكلمة التي صدرنا بها هذا البحث:"وخلاصة ما يرمي إليه المقال (يعني مقال الشيخ محمود شلتوت): أن الذي يعد شرعاً دائمًا هو ما يرجع إلى شخصيات الرسول من العقائد وأصول الأخلاق والعبادات، وما عدا ذلك مما يرجع إلى شخصيات الإمام، أو المفتي، أو القاضي، فليس بشرع دائم، وإنما هو شرع مؤقت يمكن أن يتأثر بالاجتهاد، وأن يترك العمل به لسبب من الأسباب".
أحكام الوقائع الواردة في الكتاب والسنة دائمة ما دامت الواقعة على الوصف الذي تعلق به الحكم، أما ما لم يدل عليه لفظ قرآن أو حديث، فذلك موضع الاجتهاد، والرجوع إلى ما تقتضيه أصول الشريعة والقواعد المستمدة من نصوصها.
ولم يأت صديق الشيخ شلتوت ولو بشبهة على هذا الغرض الذي كان أصْرح فيه من غيره، وهو أن الشرع الدائم ما يرجع إلى العقائد والأخلاق والعبادات، وما عدا ذلك، فإنما هو شرع مؤقت يمكن ترك العمل به لسبب من الأسباب.
وما رأي صديق الشيخ في آيات القرآن المجيد التي نزلت في إقامة الحدود، وأحكام المعاملات؟ أهي من قبيل الشرع الدائم، أو من قبيل الشرع المؤقت؟ فإن قال: هي من قبيل الشرع الدائم، قلنا: لماذا لا تكون أحكام المعاملات التي تجيء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرعاً دائماً، وقد قال الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧]؟ فإن قال: لأنه يجتهد، قلنا: قد أقمنا الدليل على أنه لا يقرر حكماً شرعياً عن اجتهاد خطأ،