يخطئ في الاجتهاد، ولم يقل للناس عندما تحدث عن خطأ اجتهاده: إنه لا يقر على الخطأ.
وبعد أن وضع في أذهان قراء مقاله أن النبي - عليه الصلاة والسلام - يخطئ في الاجتهاد، تخلص إلى أن له أربع شخصيات: الرسالة، والفتوى، والإمامة، والقضاء، وذكر أن إمامته من قبيل رياسة المسلمين، وزعامة قوميتهم، فهو يعمل من ناحية هذه الشخصية لطبع المسلمين بطابع يمتازون به على غيرهم من الأمم كما يفعل سائر الزعماء والقواد، ورأيتم كيف حاول أن يفتح في هذه الناحية بابًا لإخراج جانب كبير من أحكام الشريعة، وذكر أن القضاء وما يجيب عنه بسرعة من الفتاوى إنما هو عن اجتهاد.
ثم إن الكاتب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بشخصية الرسول المبلغ عن الله، وقال هنالك: إن المسلمين مكلفون بما بلغه كما تلقوه عنه في عمومه وخصومه، وفي دوامه وتوقيته، ثم ذكره بشخصية الإمام، وشخصية المفتي، وشخصية القاضي، ولم يقل كما قال في شخصية التبليغ: والمسلمون مكلفون بما صدر عنه في حال الإمامة أو الفتوى أو القضاء، بل دلّ على أن هذه الوظائف جاءت من ناحية اجتهاده الذي قام به بحق بشريته، وقد رأيتموه كيف قال عند حديثه عن اجتهاده - عليه الصلاة والسلام -: "كما هو الشأن في المجتهدين والحكام"، وقال عند حديثه عن إمامته:"إنما هو في الشؤون البحتة التي تعرفها الأمم في كل العصور والأجيال، وينزع إليها الزعماء والقادة في القديم والحديث". وقال عند حديثه عن إفتائه - عليه الصلاة والسلام -: "كما يفعل سائر المجتهدين، وبالطرق التي يألفها الناس في استنباط المجهولات"، وقال عند حديثه عن قضائه - عليه الصلاة والسلام -: "كما يفعل سائر القضاة".