الخلاف والتناكر بين أفراد الأمة وطوائفها، ويرجع بها إلى كلمة سواء في العبادات وسائر شؤون الحياة، ونحن نقول: قد فعل أهل العلم ذلك، ونظروا في المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وميزوا على ضوء العلم الراسخ ما كان صادراً عن كل شخصية من هذه الشخصيات، ورتبوا على كل شخصية أثرها، ولم يقضوا بما فعلوا على أسباب الخلاف والتناكر، ولم يرجعوا إلى كلمة سواء في العبادات والمعاملات، ذلك أن أسباب الخلاف في الأصول والفروع لا تنحصر في عدم تمييز نواحي تصرفه - عليه الصلاة والسلام -، وقد بحث الفقهاء عن أسباب الخلاف، وكشفوا عنها الغطاء، فذكروا أشياء غير عدم تمييز ما كان صادراً عن كل شخصية من تلك الشخصيات؛ كالاشتراك الواقع في الألفاظ، واختلاف الرواية, ودعوى النسخ، وتعدد الصفات المحتملة لأن تكون علة مناسبة للحكم.
ولو ذكر لنا الكاتب في صراحة وتفصيل وجوه تمييز ما كان صادراً عن كل شخصية من هذه الشخصيات، لعلنا نرى الرمي بالكفر والزندقة: كيف شمر أذياله، ولاذ بالفرار، ونرى الناس على تفاوت أنظارهم، واختلاف مذاهبهم يتصافحون، ويُجمعون في كل مسألة تعرض لهم على قول واحد.
ولكن الذي فعله الكاتب هو أنه أقبل يخوض في اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إنه اجتهد بحق بشريته، وأخذ يقول: إنه يرجع إلى اجتهاد غيره، وإنه يرجع عن اجتهاد باجتهاد، وإن الوحي يأتي بخلاف اجتهاده، وقد يسكت فلا يعرض له بتخطئة ولا تصويب، وإنه يحكم بين الناس، وقال:"إنكم تختصمون إلى، ولعل بعضكم، ... إلخ".
جمع هذه الأشياء، وضم بعضها إلى بعض؛ ليؤكد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان