التصرف بالشخصيات الثلاثة في رأيه من قبيل الاجتهاد الذي قام به بحق بشريته، وهو على ما قاله قد يجتهد، ويسكت عنه الوحي فلا يتعرض له بتصويب، ولا تخطئة، فلغيره من الناس أن يتصرفوا فيما اجتهد فيه بما تقضي به المصلحة، وبما توحي به الظروف والأحوال.
والصواب ما حررناه فيما سلف من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر بشيء، أو نهى عن شيء، أو قال: هذا حلال، أو هذا حرام، سواء كان هذا القول صادراً على وجه التبليغ أو الفتوى أو القضاء، فهو شرع دائم عام ما دامت أسباب الحكم قائمة، وشروطه متوفرة، فإن فقد السبب أو الشرط الذي ربط به الحكم، صار مناط الحكم واقعة أخرى، فيصبح للمجتهد الراسخ في أصول الشريعة، المتفقه في مقاصدها أن يستنبط للواقعة حكماً يناسبها، وقد حدثناك عن الإمامة، وأريناك وجه ارتباطها بالشريعة، وأن التصرف بها تنفيذ للسياسة التي رسم الوحي حدودها، وأقام قواعدها.
ورأى كاتب المقال في هذه الجمل أن إعطاء المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظرة فاحصة يتميز بها ما كان صادراً عن كل شخصية من هذه الشخصيات، يسهل على المسلمين أن يتفاهموا فيما شجر بينهم من خلاف، ثم قال:
"لو فعلنا ذلك، لما أبقينا على أسباب هذا الخلاف والتناكر بين أفراد الأمة وطوائفها، ولرجعنا إلى كلمة سواء في العبادات والمعاملات، والآداب والنظم الاجتماعية، وسائر شؤون الحياة، ولانتفع الناس بشرع الله ودينه، ولكنّا كما يريد خير أمة أخرجت للناس".
ادعى الكاتب أن التمييز بين الشخصيات الأربع يقضي على أسباب