إلى عقوبتهم الزاجر: أنهم كانوا يتظاهرون في طعنهم بحال من يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقيام دعوة منظمة، لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً، تختلق المعايب، وتلصقها بعثمان وعماله، قد تأخذ بأذهان بعض الغافلين عن سريرة أولئك الدعاة، ويتخيلون أن الدعوة لإصلاح أمر الدولة، فيشارك هؤلاء الغافلون ذينك الفريقين في هذه الدعاية، أو يقفون في الأقل موقف الحيادة،
فلا غرابة أن تنقل كلمات في نقد سياسة عثمان عن أناس لا يريدون إفساد حال المسلمين، ولا يبتغون إدراك منفعة خاصة قد فاتتهم، وإنما يقولونها عن تأثر بتلك الدعاية المنظمة الدائبة.
وربما ذكر المؤرخون أشخاصاً معدودين من الصحابة مثل: عمّار بن ياسر، وعمرو بن العاص، ويقولون: إنهم كانوا يؤلبون على عثمان، ومتى صحّ أصل الرواية، فمن المحتمل أن يكون الذي صدر منهم لا يزيد على إبداء آراء يخالفون بها رأي عثمان في بعض تصرفات الدولة، أو تولية رجال يرونهم غير ذي كفاية لما تقلدوا من الأعمال، فجاء بعض ذوي الأهواء إلى هذا النقد الذي لا تخلو منه دولة، وإن بلغت من الرشد والعدل غايتهما، وسمّاه تأليباً.
وقد بلغ الحال بدعاة الفتنة أن يزوّروا رسائل على أنها صدرت من عائشة، وعلي، وطلحة، والزبير في الدعوة إلى خلع عثمان، وبلغ أمر هذه الرسائل إلى هؤلاء الصحابة الأجلاَّء، وتبرؤوا منها، وأنكروا أن تكون صدرت منهم. وبمثل هذه الرسائل المزوّرة كانوا يخضعون الغافلين الذين لا يتثبتون فيما ينقل إليهم من الأنباء.