والقاسم بن محمد، وخارجة، وكان هؤلاء الفقهاء من العلماء الواقفين على أسرار الشريعة، لا تأخذهم في الحق لومة لائم، ولم يؤثر عن أحد منهم أن أفتى في شرع الله بما يوافق هوى السياسة؛ رهبة من سطوتها، أو طمعًا في الوجاهة لدى أربابها، فيكون زيد بن علي قد شب في بيئة علمية تغمرها الآداب الرفيعة، وتنبت فيها الأعمال الصالحة نباتًا حسنًا.
وكان زيد من كبار المحدثين، فقد روى عن أبيه زين العابدين، وأخيه محمد الباقر، وعن عروة بن الزبير، وعبد الله بن رافع، وغيرهم من أجلة التابعين.
وهو معدود في مرتبة المحدثين الصادقين فيما يروون، وقد روى عنه جماعة من أئمة الحديث، مثل: الزهري، وشعبة، والأعمش، وابن أبي الزناد.
وكان زيد فقيهاً مجتهداً، ولقيه الإمام أبو حنيفة، وأخذ عنه، وأثنى عليه. وكان زيد يقول الشعر، ومن شعره الأبيات التي أرسلها إلى هشام بن عبد الملك بعد ذلك المجلس الذي قال له فيه: أتترصد للخلافة، وأنت ابن أمة؟! وهي:
مهلاً بني عمنا عن نحت أثلتنا ... سيروا رويداً كما كنتم تسيرونا
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم ... وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
فالله يعلم أنا لا نحبكم ... ولا نلومكم ألا تحبونا
وكان زيد - مع رسوخه في علوم الشريعة - تسمو به همته إلى تولي الخلافة؛ إذ كان ينكر على هشام سوء سياسته، ويراها شراً من سياسة يزيد، ويروى أنه - أي: زيداً - دخل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم حار، فرأى سعد