للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألقيت بين يديه، فتلقاها بارتياح وقبول، بل كان - رضي الله عنه - يدعو أهل العلم والصلاح إلى وعظه وإرشاده إلى ما فيه خير، وتحذيره مما لا خير فيه، ويكفي شاهداً لهذا: أنه قال لمزاحم مولاه: يا مزاحم! إن الولاة جعلوا العيون على العوام، وأنا أجعلك عيناً على نفسي، فإن سمعت مني كلمة تربأ بي عنها، أو فعالاً لا تحبه، فعظني عنده، وانهني عنه.

* امتلاؤه بخشية الله وتقواه:

عدل لا يشوبه حيف، وحزم لا تحوم عليه غفلة، خصلتان لا يجتمعان لولي الأمر إلا أن يكون قلبه عامرًا بخشية الله وإجلاله، ذلك أن التقوى تنير سبيل العدل، ومن لم يجعل الله له هذا النور، لا يلبث أن تخرج به الأهواء إلى ظلمات الجور، والتقوى تجعل ولي الأمر في يقظة، فلا يدعو الحال إلى مصلحة إلا أقامها، ولا ظهرت مفسدة إلا اقتلعها، وقطع أسبابها، وما تيسر لعمر بن عبد العزيز أن يسير في سياسة الأمة تلك السيرة القيمة إلا لأنه يخاف مقام ربه، ويذكر في كل حال أنه سيسأل عن كل ما قدمت يداه، قالت فاطمة بنت عبد الملك زوجته: "والله! ما رأيت أخوفَ لله من عمر، لقد كان يذكر الله في فراشه، فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف، حتى نقول: ليصبحن الناس ولا خليفة لهم".

وكثيراً ما كان يخطب، فتنهال عبراته، فيتلقاها بطرف ردائه.

* شرط الصحبة عنده:

في الرؤساء من لا يرضى عن جليسه إلا أن يتزلف له بمدح مبالَغ فيه، أو ينحدر مع أهوائه أينما انحدرت. أما الرئيس العادل، فأحبُّ جلسائه إليه من يدله على مواطن الإصلاح، ويعينه على عمل الخير، أرشدنا إلى هذا