الشام، فأقام بدمشق مدة، وانتقل منها إلى بيت المقدس، وبقي في تلك الديار نحو عشر سنين ألف فيها كتبًا قيمة، منها: كتاب "إحياء علوم الدين".
ثم قصد مصر، فأقام بالإسكندرية حيناً يقصد - فيما يقال - الركوبَ في البحر إلى بلاد المغرب للاجتماع بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين، ولما بلغته وفاته، عدل عن السفر، ورجع إلى بغداد، وألقى بها دروسًا، ثم انتقل إلى خراسان، وتولى التدريس بالمدرسة النظامية في "نيسابور"، وعاد بعدُ إلى بلده "طوس"، واتخذ خانقاه للصوفية، ومدرسة لطلاب العلم، وكان يقضي أوقاته في تلاوة القرآن، ومجالسة أهل التقوى، والجلوس للتدريس، إلى أن توفي سنة ٥٠٥ خمس وخمس مئة، ودفن بظاهر الطابران (إحدى بلدتي طوس).
ولم يسلم الغزالي في حياته مما يبتلى به أكثر الراسخين في العلم من مناوأة جاهل لا يقدر الرسوخ في العلم قدره، وسعاية زائغ عن الرشد يحرق فؤادَه دعوةٌ إلى الحق خالصة القصد، قوية الحجة، مثل دعوة الغزالي. وقد أشار الحافظ ابن عساكر في كتاب "تبيين كذب المفتري" إلى ما كان الغزالي يقاسيه من مناوأة الخصوم، والسعي به إلى الملوك، وأن الله حفظه وصانه عن أن تنوشه أيدي النكبات، أو ينتهك ستر دينه بشيء من الزلات.
وقد أطنب الكاتبون في الثناء على أبي حامد، وبسطوا الحديث عن حياته العلمية، وكتفي هنا بثناء أبي بكر بن العربي عليه في كتاب "قانون التأويل" إذ يقول: "ورد علينا- أي: في بغداد - ذانشمند - يعني: الغزالي -، فنزل برباط أبي سعد بإزاء المدرسة النظامية، معرضاً عن الدنيا، مقبلاً على الله تعالى، فمشينا إليه، وعرضنا أمنيتنا عليه، وقلت له: أنت ضالتنا التي كنا