ننشد، وإمامنا الذي به نسترشد، فلقينا لقاء المعرفة، وشاهدنا منه ما كان فوق الصفة، وتحققنا أن الذي نقل إلينا من أن "الخبر على الغائب فوق المشاهدة" ليس على العموم، ولو رآه علي بن العباس لما قال:
إذاما مدحت امرأً غائباً ... فلا تغلُ في مدحه واقصد
فإنك إن تغلُ، تغل الظنو ... ن فيه إلى الأمد الأبعد
فيصغر من حيث عظَّمته ... لفضل المغيب على المشهد
وذكر في كتاب "القواسم والعواصم" بعد الحديث عن مسألة كشف الغيوب، فقال:"فاوضت فيها أبا حامد الغزالي حين لقائي له بمدرسة السلام في جمادى الآخرة سنة تسعين وأربع مئة، وقد كان راضَ نفسه بالطريقة الصوفية من سنة ست وثمانين إلى ذلك الوقت نحواً من خمسة أعوام، وتجرد لها، واصطحب مع العزلة، ونبذ كل فرقة، فتفرغ لي بسبب بيناه في ترتيب الرحلة، فقرأت عليه جملة من كتبه، وسمعت كتابه الذي سماه "الأحياء لعلوم الدين"، فسألت سؤال المسترشد في عقيدته، المستكشف عن طريقته، لأقف من سر تلك الرموز التي أومأ إليها في كتبه على موقف تام المعرفة، وطفق يجاوبني مجاوبة الفاهم لطريق التسديد للمريد؛ لعظيم مرتبته، وسمو منزلته، وما ثبت له في النفوس من تكرمة، فقال لي من لفظه، وكتبه لي بخطه: إن القلب إذا تطهر عن علاقة البدن المحسوس، وتجرد للمعقول، انكشفت له الحقائق، وهذه أمور لا تدرك إلا بالتجربة لها عند أربابها؛ بالسكون معهم، والصحبة لهم" إلخ.
للغزالي مؤلفات كثيرة، ومن أنفس ما خطته يده كتاب "الإحياء"، وقد ألف الغزالي هذا الكتاب بعد أن درس الفلسفة، واستقصى ما عند أهلها، ويعد