إلى المصالح العامة، ولاسيما وسائل حماية البلاد من أن تمتد إليها يد عدوّ لا يرعى فيها عهداً، ولا تأخذه بها رأفة، وكم من عالم قد قرأنا في تاريخ حياته أنه مات شهيداً في سبيل الدفاع عن دينه ووطنه!.
وتومئ هذه الواقعة إلى أن الناس هم الناس، قد يبخلون بالأمر الحقير عن الأمور الهامة الجليلة، ويبلغ بهم البخل أن يبغضوا الداعي إلى الإصلاح، ويعملوا جهدهم في إيذائه ما استطاعوا.
* إقباله على نشر العلم:
صرف صاحب الترجمة من القضاء، وانتقل إلى قرطبة، وأقبل على نشر العلم غيرآسف على القضاء، وكان يقول:"إن القاضي إذا ولي القضاء عامين، نسي أكثر مما كان يحفظ، فينبغي له أن يعزل، وأن يتدارك نفسه".
وكنت وليت في تونس قضاء "بنزرت" وملحقاتها، فأحسست أن هذه الولاية ستقف بي في العلم عند حد، وصغرت في عيني، فاستقلت منها بعد أن قمت بواجبها نحو سنة وأربعة أشهر، ورجعت إلى الحاضرة، وأقبلت على التدريس بجامع الزيتونة.
وكان صاحب الترجمة منقطعاً للبحث والمطالعة، حتى إنه كان يضع الكتب عن يمين الفراش وشماره، ولا يطفئ المصباح، وإذا غلبه النوم، نام، ومهما استيقظ، مد يده إلى كتاب (١).
وممن أخذ عن ابن العربي، وسمع منه: القاضي عياض، والإمام السهيلي صاحب "الروض الأنف".
(١) حكى عنه هذا بعض أهل العلم الذين صحبوه أيام كان بقرطبة.