قد عرفنا أن أبا بكر قد درس علم الأدب قبل رحلته، وقرأنا من رحلته: أنه قرأ الأدب على التبريزي، ثم إن من ينظر في الجمل البليغة التي تجيء في مؤلفاته، يدرك أنها صادرة من أديب جال في منظوم البلغاء ومنثورهم جولة واسعة، وله شعر جيد، ولا ينتظر ممن يقضي الوقت في بحث العلوم ودراستها أن يأتي من الشعر بمثل ما يأتي به أبو تمام وابن الرومي.
* انتفاعه بالأدب في بعض الشدائد:
ذكر ابن العربي في كتاب "قانون التأويل" ركوبه البحر في رحلته من إفريقية، وحكى أن البحر عظم عليهم، وتلاطمت بهم أمواجه، فوقعوا في هول كبير، ولكن الله سلم، فخرجوا منه خروج الميت من القبر، وانتهوا بعد شدة إلى بيوت بني كعب بن سليم، ووقف ابن العربي على باب أميرهم، فوجده يدير أعواد الشاه (الشطرنج)، فدنا منه، وأشار على الأمير بتحريك قطعة، فعارضه صاحبه؛ فأشار عليه بتحريك قطعة أخرى، فهزم الأمير صاحبه (١)، وأضاف إلى هذا أحاديث من الأدب الرائق، فعظم في عين الأمير، فأقبل يتعجب منه، ويسأله عن سنه، ويستكشف حاله، فأخبره بما لاقوه من هول البحر، فاستدعى أباه، وبالغ في إكرامهم؛ قال أبو بكر: فانظر إلى هذا العلم - يعني: التلهي بالشطرنج - الذي هو إلى الجهل أقرب، مع تلك الصبابة اليسيرة من الأدب، كيف أنقذا من العطب.
* رأيه في طريقة التعليم:
يرى أبو بكر تقديم تعليم العربية والشعر على سائر العلوم، ثم ينتقل
(١) قال أبو بكر: كان علق بنفسي بعض ذلك من بعض القرابة في خلس البطالة.