ما يكون مصلحة من ناحية، ومفسدة من ناحية أخرى، فالشارع الحكيم ينظر إلى الأرجح منهما، ويفصل الحكم على قدر الأرجحية، فما رجحت مصلحته على مفسدته، أذن فيه على وجه الإباحة، أو الندب، أو الوجوب. وما رجحت مفسدته على مصلحته، نهى عنه على وجه الكراهة، أو التحريم.
* التفقه في الأدلة السمعية:
ذكرنا فيما سلف أن من أحكام الشريعة ما يدل عليه آية، أو سنّة صريحة؛ كتحريم الجمع بين الأختين، والقضاء للذكر في الإرث بمثل حظ الأنثيين، والقصاص، وقطع يد السارق والسارقة، وهذا النوع من الأحكام لا يختلف أئمة الدين في أنه شريعة عامة باقية، ولا يجوز لولي الأمر إهماله، ولا أن يستبدل به غيره.
وربما دعت الضرورة إلى إرجاء إقامة الحد؛ كما أخّر الإِمام علي -رضي الله عنه - القصاص من قتلة عثمان مرتقبًا وقتًا يتمكن فيه منهم، وهو آمنٌ من عصبيتهم.
وفي "سنن أبي داود": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تقطع الأيدي في الغزو.
وروي أن عمر بن الخطاب كتب إلى الناس: أن لا يجلدنَّ أمير جيش ولا سرية ولا رجل من المسلمين حدًا وهو غاز حتى يقطع الدَّرب قافلاً؛ لئلا تلحقه حمية الشيطان، فيلحق بالعدو.
وقد تطرأ حال عامة تجعل ولي الأمر في ريب من أن تكون واقعة أخذ المال خفية من قبيل السرقة المفروض فيها حد القطع، فيكف يده عن إجرائه. وقد روي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - أسقط قطع يد السارق في عام المجاعة؛ لأن الحاجة كانت غالبة، فمن المحتمل القريب وقتئذ أن يكون الدافع إلى السرقة اضطراره إلى ما يسد رمقه، وينقذه من التهلكة.