ولا يلحق بمثل هذا الحال أن تعتل أذواق قوم، وتساورهم شهوات طائشة، فيقيموا هذه الأذواق مقام العقل، وتلك الشهوات مقام المصلحة، فينكروا ما فرض الإِسلام على الزاني أو شارب الخمر من عقوبة. وعلى حكماء الأمة أن يعالجوا هذه الأذواق حتى تسلم من مرضها، ويقوِّموا تلك الشهوات حتى تعود إلى حال اعتدالها.
يدخل الاجتهاد الأدلة السمعية على النحو الذي ذكرنا، ويدخلها من جهة الإطلاق والتقييد.
أما الإطلاق، فكما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}[آل عمران: ١٣٠]. فأطلق الأئمة في تحريم الربا، وعدّوا قوله تعالى:{أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} من قبيل ما روعي فيه حال ما كانوا يفعلون وقت نزول الآية، ومن أدلة هذا الإطلاق قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}[البقرة: ٢٧٩]، فهو صريح في حرمة الربا كثيرِه وقليله.
ومن أمثلة هذا: أن الله تعالى حرّم على الرجل نكاح ربيبته، فقال:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}[النساء: ٢٣]، وظاهر الآية: أن المحرّمة بنت الزوجة التي تكون في حجر الزوج، ولكن الأئمة تفقهوا في هذا الوصف، فلم يظهر فيه أثر للتحريم، فأوَّلوه على أنه من قبيل الأوصاف التي ترد في الكلام البليغ من جهة أنها الحال الغالبة في الموصوف، وأفتوا بتحريم الربيبة على زوج أمها، وإن لم تكن في حجره.
وأما التقييد، فكحديث النهي عن بيع الماء، فقد خصصه الإِمام مالك بآبار الصحراء التي تتخذ في الأرضين غير المتملكة، فيكون صاحبها الذي حفرها أولى بها، فإذا قضى منها وطره، ورويت ماشيته، ترك الفضل للناس