للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من غير ثمن، واستند الإِمام في هذا التخصيص، وصرف النهي عن بيع الماء في الأرض المملوكة إلى الأصل الذي ورد به السمع، وانعقد عليه الإجماع، وهو أنه لا يحل مال أحد إلا بطيب نفس منه.

ومن أمثلة هذا الباب حديث: "شاهداك أو يمينه".

فظاهر الحديث: أن اليمين حق على كل مُنْكِر، ولكن الإِمام مالكًا قيَّده بحال ما إذا كان بين المتقاضيين خلطة، وإنما قيّده بقاعدة درء المفاسد، إذ أخْذُ الحديث على إطلاقه يجرئ السفهاء على أهل الفضل، فيستطيعون أن يوجهوا عليهم متى شاؤوا دعاوى، ويقفوهم للحلف إيلاماً وامتهاناً.

يقيَّد المجتهد النصوص، أو يطلقها على ما تقتضيه الأدلة السمعية، والأصول الشرعية، ولا يصرف نظره عن النص جملة إلا أن يثبت لديه أنه منسوخ، أو يعارضه ما هو أقوى سنداً أو دلالة، أو يكون الحكم مربوطاً بشيء على أنه علة مشروعيته، وتزول هذه العلة، فيتبعها الحكم، وتدخل الواقعة في نص آخر، أو تحتاج إلى حكم من المجتهد يطابقها.

ومثال هذا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك صلاة التراويح في جماعة، وقال في وجه تركها: "ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل، فتعجزوا عنها". وقد زالت بوفاته - عليه الصلاة والسلام - الخشية من أن تفرض عليهم، ولهذا أقامها عمر بن الخطاب بعد، وقال: "نعم البدعة هذه".

وقَصْرُ الحكم على حال وجود العلة متى كان منصوصاً عليها أمر واضح لا شبهة فيه. وقد يجيء الحكم مجردًا من ذكر العلة، فيقررها المجتهد استنباطاً، ويجعل الحكم مقصوراً على حال هذه العلة المستنبطة، ومن هذا