القبيل: أن المؤلفة قلوبهم قد ذُكروا في آية مصارف الزكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}[التوبة: ٦٠] الآية.
فرأى بعض الأئمة أن علة جعلهم في مصارف الزكاة في بداية الإِسلام إلى تكثير أنصاره، أما حين قويت شوكته، وكثر أتباعه وحُماته، فقد زالت الحاجة إلى تأليف المخالفين، وسقطوا من مصارف الزكاة.
ومن أقوال الرسول - عليه الصلاة والسلام - ما يحمله المجتهد على أنه صادر منه بصفة الإمامة، لا أنه حكم عام كسائر أحكام الشريعة التي يراد بها التبليغ، ومثال هذا: قوله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين:"من قتل قتيلاً، فله سَلَبه"؛ فإن من الأئمة من يذهب في هذا إلى أنه تصرف من جهة الإمامة، وأنه منظور فيه إلى ما اقتضته المصلحة في تلك الغزوة، فلقائد الجيوش من بعده أن لا يجعل سَلَب القتيل للقاتل حيث لم تدع إلى ذلك مصلحة. ولهذا النوع من أقواله - عليه الصلاة والسلام - ناحية يرجع بها إلى التشريع، وهي أنه يجوز لولي الأمر أن يجتهد، ويقول:"من قتل قتيلاً، فله سلبه" أسوة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يرده عن هذا القول أن السلب من الغنيمة، والغنيمة في أصلها ملك للمجاهدين، أو أن هذه المنحة تنقص الإخلاص، وتجعل بعض الجند يقاتل للسلب، لا لإعلاء كلمة الله.
هذه من الوجوه التي يدخل فيها الاجتهاد الصحيح عند التفقه في الأدلة السمعية، وها هنا قد تزلُّ أقدام بعض الناظرين في عجل، أو يفتضح بعض من يكيدون للشريعة من طريق التأويل؛ حيث يعمدون إلى بعض النصوص الشرعية، ويذهبون في تفسيرها مذهباً يخرجون به عن مقاصد الشريعة، أو ينقضون به أصلاً من أصولها.