وجمهور أهل العلم على أن الأحكام المقررة بطريق السمع، وليس للمجتهد أن يتعداها هي ما جاء في كتاب أو سنّة أو إجماع، وقول الصحابي فيما لا يقال بالرأي هو من قبيل المرفوع، فهو داخل في السنّة، أما قوله الذي يمكن أن يكون اجتهاداً، فليس بحجة تقطع غيره عن الاجتهاد؛ لأن الصحابي غير معصوم عن الخطأ، ولأن الصحابة كانوا يختلفون فيما بينهم من غير إنكار، وما يقع في "موطأ مالك" من ذكر قول الصحابي في مقام الاحتجاج إنما يأتي به الإِمام في معنى التأييد لاجتهاده، أو للترجيح بين الأخبار عند اختلافها.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح حديث:"عليكم بسنّتي، وسنّة الخلفاء الراشدين" من "سنن الترمذي ": "أمر بالرجوع إلى سنّة الخلفاء، وهو يكون على أمرين: الأول: التقليد لمن عجز عن النظر، والثاني: الترجيح عند اختلاف الصحابة، فيقدم فيه الخلفاء الأربعة، أو أبو بكر وعمر، وإلى هذه النزعة كان ينزع مالك، ونبّه عليه في الموطأ".
واعتماد الإِمام مالك على عمل أهل المدينة فيما لا مجال للرأي فيه، أو فيما كان طريقه النقل المستفيض؛ كالصاع، والمد، والأذان، والإقامة يرجع إلى الاحتجاج بالسنّة، فإن العادة تقتضي أن يكون عملهم هذا من زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ لو تغير عما كان عليه زمن الوحي، لعلموه، وإذا قدّم عمل أهل المدينة الذي هو في معنى السنّة على خبر الآحاد، فإنما قدّم على خبر الآحاد سنّة يراها أمتن سنداً وأقوى.
وأنكر بعض أصحابه أن يكون قد وقع منه تقديم عمل أهل المدينة على الحديث الصحيح، قال أبو بكر بن العربي في كتاب "العارضة": "ومن