للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تحصيل له من أصحابنا يظن أن مالكاً يقمّ عمل أهل المدينة على الحديث الصحيح، ولم يفعل ذلك قط، ولا ترك مالك قط حديثاً لأجل مخالفة أهل المدينة له بعملهم وفتواهم".

لا يدخل الاجتهاد في النصوص المحكمة إلا بنحو الإطلاق أو التقييد على مقتضى الأصول الصادقة، وهذا واضح بنفسه فيما إذا كان النص قرآنًا أو سنّة متواترة، أما خبر الآحاد، فإن لم يره المجتهد معارضًا لأصل آخر، وجب العمل به عند أئمة الدين بلا مراء؛ كما أخذ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بخبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سنوا بهم سنّة أهل الكتاب" (١).

أما إذا ورد خبر الآحاد فيما يظهر معارضاً لقاعدة، أو قياس صحيح، فهذا موضع نظر أهل العلم واختلاف آرائهم، فمنهم من يقدّم الحديث على الأقيسة والقواعد، يظهر هذا من قول الإِمام الشافعي: إذا صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاضربوا بقولي الحائط، وقوله: إذا صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصح الإسناد به، فهو المنتهى، وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: لا قول لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صح الخبر.

ونجد آثاراً كثيرة عن الصحابة تدل على أنهم كانوا يتركون القياس لخبر الواحد؛ كما ترك عمر بن الخطاب القياس في الجنين؛ لخبر حمل بن مالك في إيجاب غُرة عبدٍ أو أمة، وقال: لولا هذا، لقضينا فيه برأينا (٢)، وروي أنه ترك القياس في تفريق دية الأصابع على قدر منافعها حين روى له


(١) في "صحيح البخاري".
(٢) رواه أبو داود.