للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عوّل مالك على الاستحسان وبنى عليه أبواباً ومسائل من مذهبه".

واستند الحنفية إلى الاستحسان في تقرير كثير من الأحكام، ويعارضون به القياس، فيقولون في بعض الأحكام: هذا ما يقتضيه الاستحسان، وذاك ما يقتضيه القياس.

وعبر الإمام الشافعي بالاستحسان في أحكام بعض الحوادث، فقال: أستحسن أن تكون المتعة ثلاثين، وقال: أستحسن أن يؤجل الشفيع ثلاثاً.

وأنكر قوم أن يكون الاستحسان دليلاً شرعياً، وشنعوا على القائلين به؛ ظنًا منهم أن استحسان هؤلاء الأئمة من قبيل الرجوع إلى الرأي دون رعاية دليل شرعي ثابت. والرجوع إلى الرأي المحض في تقرير الأحكام الشرعية لا يقول به عامي مسلم، فضلاً عن إمام بلغ رتبة الاجتهاد أو الترجيح. ومن هنا تصدى علماء الأصول من المالكية والحنفية لتفسير الاستحسان الوارد في عبارات أئمتهم. وبينوا أنه عائد إلى أدلة متفق عليها، أو أدلة معروفة في مذهب المعبر به. وحملوا قول الإِمام الشافعي: "من استحسن، فقد شرع" على معنى: الاستحسان الذي لا يقوم على رعاية دليل شرعي، وكذلك الأثر الذي يسوقه بعض المحتجين لصحة القول بالاستحسان، وهو: "ما رآه المسلمون حسناً، فهو عند الله حسن (١) " إنما يحمل على أن المراد بالمسلمين: ذوو الكفاية لاستنباط الأحكام، فيكون دليل الاحتجاج بالإجماع.

أما المالكية، فيقول محققوهم؛ كأبي الوليد الباجي: الاستحسان: هو الأخذ بأقوى الدليلين. وكذلك قال ابن خويز منداد: معنى الاستحسان عندنا: القول بأقوى الدليلين. ويضاهي هذا قول الحفيد بن رشد: الاستحسان


(١) هو من قول عبد الله بن مسعود؛ وليس بحديث.