عند مالك: هو الجمع بين الأدلة المتعارضة. ومعنى هذا: أن الاستحسان في مذهب مالك ليس بدليل مستقل, وإنما هو ترجيح أحد الدليلين على الآخر؛ كأن يتعارض في حادثة جزئية قياسان، أو يعارض أصلاً من الأصول عرف، أو مصلحة مرسلة، أو سد ذريعة، فينظر المجتهد، ويرجح أحد القياسين على الآخر، أو يرجح قاعدة العرف، أو المصالح المرسلة، أو سد الذريعة على ذلك الأصل المعارض.
ونكتفي بذكر مثال لما تعارض فيه قياسان، ومن هذا المثال يتبين وجوه الترجيح في الأدلة الباقية:
معروف في مذهب مالك: أن المتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن أو المبيع؛ كان يقول البائع: بعتك بعشرة، ويقول المشتري: إنما بعتني بستة، فوجه الحكم أن ينظر فيمن قوله أشبه؛ أي: أقرب إلى الصدق، فيقضي بقوله مع اليمين، فإن كان المبيع يساوي عشرة، ترجح قول البائع، وإن كان يساوي ستة، ترجح قول المشتري.
ومعروف في المذهب أيضاً: أن المودع - بكسر الدال -، والمودعَ -بفتحها-، أو المعير والمستعير، إذا اختلفا في الشيء المودعَ أو المعار، كان القول للمودع أو المستعير؛ لأن كلًا منهما أمين على ما تسلمه.
وجرت بين الفقهاء حادثة اختلاف المتراهنين؛ كأن يخرج المرتهن رهناً، فيقول الراهن: رهنتك ما هو أفضل منه، ويقول المرتهن: بل هو رهنك، وقد تجاذب هذه الحادثة قياسان: القياس على اختلاف المتبايعين، وهذا يقتضي أن يكون القول قول الراهن إن أشبه؛ أي: صدقه شاهد حال؛ كأن يرهنه رهناً بألف، فيخرج المرتهن رهناً يساوي مئة، وهذا ما ذهب إليه أصبغ