وسمي رفع الحكم نسخاً؛ لأن الحكم الرافع قد أزال الحكم السابق.
ويظهر من كلام المتقدمين: أن النسخ في عرفهم أهمّ منه في كلام الأصوليين؛ فقد يطلقون النسخ على تخصيص العام، وتقييد المطلق، كما يطلقونه على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي، ومن شواهد هذا التعميم: قول ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى:
أما الخلاف في جوازه، فيحكي بعض الأصوليين أن بعض اليهود قد أنكروا النسخ، وقالوا بامتناعه عقلاً؛ بدعوى أنه منافٍ للحكمة؛ لأن النهي يعتمد المفسدة الخالصة أو الراجحة، فلو جاز نسخه بعد ذلك، لزم تجويز أن يأمر الله تعالى ويأذن في فعل المفاسد الخالصة أو الراجحة، وذلك محال على الله تعالى.
ثم إن النسخ يتضمن الإذن فيما نهى عنه، أو النهي بما أذن فيه، والفعل إما أن يكون حسناً، أو قبيحاً، فإن كان حسناً، استحال النهي عنه، وإن كان قبيحاً، استحال الإِذن فيه، فالنسخ محال عليه تعالى على كلا التقديرين.
وذهب أهل العلم في رفع هذه الشبهة مذهبين:
فالذين ينكرون تعليل الأحكام يقولون: إنها مسندة إلى محض إرادة الله تعالى من غير باعث، فالله تعالى هو الحاكم المطلق الفعّال لما يريد، فيجوز في حقه أن يضع حكماً، ويرفع حكماً، لا لغرض، ولا لباعث، ومن هؤلاء: ابن حزم، إذ قال في كتاب "الأحكام": "إن الله تعالى أراد أن يحرّم علينا بعض