للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما خلق مدة، ثم أراد تعالى أن يحرمه علينا, ولا علّة لشيء من ذلك".

وأما المحققون الذين يقولون: إن أحكام الله تعالى مراعىً فيها مصالح العباد، واللطف بهم، فيجيبون عن هذه الشبهة؛ بأن المصالح تختلف بحسب اختلاف الأوقات، فقد يكون الفعل مفسدة في وقت، ومصلحة في وقت آخر؛ كوجوب وقوف الواحد من المسلمين للعشرة من الكفار حيث اقتضته قلة المسلمين، ورفع هذا الوجوب حيث استغني عنه بكثرتهم.

وإذا قالوا: إن النسخ من قبيل البداء، وهو مستحيل عليه تعالى، قلنا: بين النسخ والبداء فرق أجلى من الشمس، والفارق هو أن البداء يكون في الأمر بالشيء مع عدم العلم بما تؤول إليه حاله، وهذا هو المحال عليه تعالى، وأما النسخ (١)، فيكون الآمر عند شرعه الحكمَ الأول عالماً بأنه سيرفعه بعد مدة معلومة، وهذا يصح أن يكون من صفاته تعالى.

وأما الخلاف في وقوعه:

فقد قال أبو مسلم الأصفهاني (٢) بجوازه عقلاً، وأنكر وقوعه، ونسب أبو بكر الجصّاص في كتاب "الأحكام" إنكار وقوعه في شريعتنا إلى بعض معاصريه، فقال: "وزعم بعض المتأخرين من غير أهل الفقه: أنه لا نسخ في شريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن جميع ما ذكر فيها من النسخ فإنما المراد منه نسخ شرائع الأنبياء المتقدمين؛ كالسبت، والصلاة إلى المشرق والمغرب".


(١) وقد أخطأ بعض الشيعة إذ جوزوا على الله البداء، وادعوا أن علياً - رضي الله عنه - كان لا يخبر عن الغيب؛ مخافة أن يبدو لله فيه فيغيره، وزعموا أن محمد بن جعفر قال: ما بدا لله في كل شيء كما بدا له في إسماعيل؛ حيث أمر بذبحه، ثم فداه بذبح عظيم.
(٢) هو محمد بن محمد من شيوخ المعتزلة المتوفى سنة ٣٢٢.