فصّله الرسول - عليه الصلاة والسلام - في أحاديثه من أحكام وآداب.
وقد تكفل الله تعالى بحفظ الذكر في قوله العزيز:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]، ومن الجليّ أن الحكمة في حفظه إنما هي حفظ أصول الشريعة التي أراد الله تعالى أن تكون الشريعة العامة الخالدة، ومقتضى هذه الحكمة: أن يحفظ الله القرآن، ويحفظ السنّة التي تبين معاني بعض آياته، أو تقرر أحكامًا وأصولاً متممة للشريعة التي جاء لإقامتها.
ومن هنا عني الصحابة والتابعون - رضي الله عنهم - بحفظ السنة رواية وكتابة، ومنذ عهد عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أقبل العلماء على جمع الأحاديث، وإخراجها في مؤلفات اختلفت أنظارهم في أساليبها, ولكنهم لم يقصدوا فيها إلى كتاب "الموطأ"، وقصد في تأليفه جمع أحاديث صحيحة مرفوعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأضاف إليها كثيراً من الأحاديث المرسلة أو المنقطعة، وكثيراً من إفراد الأحاديث الصحيحة عن غيرها، حتى جاء الإِمام مالك - رضي الله عنه -، وألّف أقوال الصحابة والتابعين وفتاواهم، وقد تتبع بعض أئمة الحديث تلك الأحاديث المرسلة أو المنقطعة، فوجدوها موصولة في روايات أخرى إلا أربعة أحاديث، ولم يترددوا في أن يقولوا: إن أول من ألف في الصحيح: مالك بن أنس، حتى قال الإِمام الشافعي - رضي الله عنه -: ما على ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك.
ثم جاء الإِمام البخاري - رضي الله عنه -، فألف كتابه "الجامع الصحيح"، فكانت أحاديثه المرفوعة المتصلة الإسناد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من أحاديث "الموطأ"، وما أودعه فيه من الأحاديث المرسلة أو المنقطعة، أو آثار الصحابة والتابعين أقلّ مما في كتاب "الموطأ".