ومَن بعده، ومنهم من يرتبها على حسب الأماكن التي هي دليل عليها، فيضعون لكل حديث باباً يختص به؛ كباب الصلاة، والزكاة، كما فعل مالك في "الموطأ"، وانتهى الأمر إلى زمن البخاري، فسلك هذه الطريقة، ولكن كثرت الأحاديث المودعة في كتابه، فكان أكثر أبواباً من كتاب "الموطأ".
قال ابن خلدون: وجاء محمد بن إسماعيل البخاري إمام المحدثين في عصره، فخرج أحاديث السنّة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين والشاميين، واعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه، وكرر الأحاديث، يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحديث، فتكررت لذلك أحاديثه.
لم يقتصر البخاري على رواية الحديث كما يفعل كثير من المؤلفين في الحديث، بل جعل من مقاصد "جامعه": التفقه في أحاديثه، والنزوع إلى استنباط الأحكام والآداب، كما يشير إلى ذلك بالتراجم التي يضعها في صدور الأبواب، وهذا القصد قد سبقه إليه الإِمام مالك في "موطئه"، ولكن البخاري قطع فيه مراحل بعيدة على حسب كثرة ما جاء في "جامعه" من الأحاديث.
* استحسان شيوخه وغيرهم له عند عرضه عليهم:
لما صنف البخاري هذا الجامع، عرضه على علي بن المديني، وأحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة إلا