فلأن الفريري سمع "الجامع الصحيح" من البخاري مرتين: مرة بفرير ومرة ببخارى، وتعد روايته أضبط الروايات.
ولثقة الناس بصحته، وعظم ما يقتبسونه من فوائده، ترى رجالاً يقرؤونه المرة بعد المرة في غير سآمة، فهذا غالب بن عطية الغرناطي يقول: كررت البخاري سبع مئة مرة. وذلك محدث اليمن سليمان بن إبراهيم العلوي يتحدثون عنه أنه أتى على البخاري نحو من مئتي مرة، قراءة وإقراء.
وأصحّ نسخة للجامع الصحيح اعتمد عليها المغاربة: نسخة برواية أبي عمران موسى بن سعادة، سمعها على أبي علي الصدفي نحو ستين مرة، وأبو علي الصدفي روى "الجامع الصحيح" عن أبي الوليد الباجي، والباجي رواه من أبي ذر - رضي الله عنه -.
* إقبال الناس عليه بالشرح والتعليق:
ولبلوغ "الجامع الصحيح" في الصحة الغاية، أقبل العلماء على اختلاف مذاهبهم على شرحه، والتعليق على المواضع المشكلة منه؛ كابن بطّال، وابن المهلب، وابن التين، والكرماني، وابن حجر، والليثي، والقسطلاني، والشيخ زكريا، وغيرهم.
ولم يستوف أكثر هؤلاء المصنفين ما يستحقه الكتاب من الشرح؛ إذ يحتاج شارحه- كما قال ابن خلدون- إلى معرفة الفرق المتعددة ورجالها من أهل الحجاز والشام والعراق، ومعرفة أحوالهم، واختلاف الناس فيهم، ولذلك يحتاج إلى إمعان النظر في التفقه في تراجمه؛ لأنه يترجم الترجمة، ويورد فيها الحديث بسند أو طريق، ثم يترجم أخرى، ويورد فيها ذلك الحديث بعينه؛ لما تضمنه من المعنى الذي ترجم به الباب، إلى أن يتكرر