من أفعاله - عليه الصلاة والسلام - ما يصدر عن وجه الجبلّة أو العادة؛ كالقيام والقعود والاضطجاع، والأكل والشرب واللبس، وهذا الضرب غير داخل فيما يطلب فيه التأسي، وغاية ما يفيده فعله - عليه الصلاة والسلام - لمثل هذه الأشياء: الإِباحة، فإذا جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو قام في مكان أو زمان، أو ركب نوعاً من الدواب، أو تناول لوناً من الأطعمة، أو لبس صنفًا من الثياب، فلا يقال فيمن لم يفعل شيئاً من ذلك: إنه تارك للسنّة.
ومن أفعاله - عليه الصلاة والسلام - ما علم اختصاصه به؛ كالوصال في الصوم، والزيادة في النكاح على أربع، ولا نزاع في أن مثل هذا ليس محلاً للتأسي، وما كان لأحد أن يقتدي به فيما هو من خصائصه.
ومنها: ما عرف كونه بياناً للقرآن؛ كقطعه يد السارق من الكوع بياناً لقوله تعالى:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨]، وحكم الاقتداء به في هذا حكم المبين من وجوب أو استحباب.
ومنها: ما لم يكن جبليّاً, ولا خصوصية، ولا بياناً، وهذا إذا علمت صفته في حقه - عليه الصلاة والسلام - من وجوب أو ندب أو إباحة، فأمته متابعة له في الحكم؛ إذ الأصل تساوي المكلفين في الأحكام.
فإن فعل - صلى الله عليه وسلم - أمراً، ولم يقم دليل خاص على أنه فعله على سبيل الوجوب أو الندب أو الإباحة، فهذا إما أن يظهر فيه معنى القربة؛ كافتتاحه الرسائل بكلمة:"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فيحمل على أقل مراتب القرب، وهو الندب، وإما أن لا يظهر فيه معنى القربة، فيدل على أنه مأذون فيه، ومن أهل العلم من يذهب به مذهب المندوب إليه؛ نظراً إلى أنه - عليه السلام - مشرعّ، فالأصل في أفعاله التشريع، ومثال هذا: إرساله - عليه الصلاة والسلام -