للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شعر رأسه الشريف إلى شحمة الأذن، وهو عمل لا يظهر فيه معنى القربة، ولكن بعض أهل العلم؛ كالقاضي أبي بكر بن العربي، وأبي بكر الطرطوشي جعلوه من مواضع الاقتداء، ورأى آخرون أن هذا محمول على العادة، فإذا جرت عادة قوم بنحو الحلق، فلا يوصفون بأنهم تركوا ما هو سنّة.

ومما يشبه إرسال الشعر إلى الأذن: إرساله - عليه الصلاة والسلام - ذؤابة من العمامة، وهي المسماة: "العذبة"، وقد ورد في حديث عمرو بن حريث في فتح مكة: "كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه" (١)، وحديث ابن عمر: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتم، سدل عمامته بين كتفيه (٢).

وإذا كان إرسال ذؤابة من العمامة مما لا يظهر فيه معنى القربة، يكون موضعًا لاختلاف أهل العلم، فمنهم من يجعله من قبيل ما يتأسى به، وإلى هذا يجنح أبو بكر بن العربي، وقد روى الترمذي عن ابن عمر، وسالم، والقاسم: أنهم كانوا يفعلونه. ومنهم من يراه من قبيل العادة، فلا يعد المتعمِّم من غير عذبة تاركًا لسنّة، وهذه وجهة نظر من لم يكن يرسل العذبة من السلف، قال الإمام مالك: إنه لم ير أحداً يفعله إلا عامر بن عبد الله بن الزبير (٣).

وقد يتقارب الحال في بعض الأفعال، فلا يظهر جلياً أهو عادة، أم شريعة؟ فتتردد فيه أنظار المجتهدين؛ نحو: جلسة الاستراحة عند قيامه


(١) أخرجه مسلم.
(٢) أخرجه الترمذي، والنسائي.
(٣) باب: العمائم في "فتح الباري".