علامة على تقديره، كان الحكم عند وجود الظن معلوماً قطعاً، وكان العامل على هذا الحكم ممتثلاً للأمر بلا شبهة.
ومزية "الصحيحين" على هذا المذهب في أن ما روي فيهما صحيح لا يحتاج إلى النظر والبحث؛ بخلاف ما يروى في غيرهما من كتب الحديث، فإنما يعتمد في الاستدلال بعد النظر في سنده ومعرفة رتبته.
والحق أن في الأحاديث التي لا تبلغ مبلغ التواتر ما يأخذ حكم المتواتر في إفادة العلم، وهو ما يكون رواته من الصدق والضبط في مرتبة يطمئن بها السامع إلى روايتهم اطمئنانًا لا يخالجه تردد، فالعلم يحصل من كثرة رواة الخبر تارة، ويحصل من تحقق أمانتهم وضبطهم تارة أخرى، وجمهور ما في البخاري ومسلم من هذا القبيل، وهذا ما يسميه بعض الحفاظ: متواتراً خاصًا؛ نظراً إلى أن أهل الحديث قد يحصل لهم العلم برواية رجلين عرفا بالاستقامة والضبط ما يحصل لغيرهم من رواية جمع كثير يستحيل تواطؤهم على الكذب، ويعتبر في هذا يقول الإمام مالك - رضي الله عنه -: "إذا سمعت الخبر من نافع، لا أبالي أن لا أسمعه من غيره"، ونحن نعلم أن من أئمة الحديث من يأخذون في الرواية بما هو الأحوط، فلا يكتفون بصدق الراوي وتقواه وورعه حتى يعرف بالضبط لما يحفظ، والإتقان لما يروي، قال الإمام مالك: أدركت بالمدينة أقواماً لو استُسقي بهم القطر، لسُقوا، قد سمعوا الحديث كثيراً، وما حدَّثتُ عن واحد منهم شيئاً؛ لأنهم كانوا ألزموا أنفسهم الزهد، وهذا الشأن -يعني الحديث- يحتاج إلى رجل معه تقى وورع وإتقان، وعلم وفهم، فأما رجل بلا إتقان ولا معرفة، فلا ينتفع به، ولا هو حجّة.
ونلخص القول: أن ما رواه الشيخان متصل الإسناد من طريقين فأكثر،