وما يدعو إليه الدين الحق، إما أن يكون أصلاً من أصول الدين؛ أي: لا تتم حقيقة الإيمان إلا به، وهذا لا يحتج عليه إلا بالحديث المتواتر، وإما أن يكون حكماً عملياً؛ كأن يقال: هذا واجب، أو حرام، أو جائز، وهذا موضع الاحتجاج بخبر الآحاد، ويلحق بالأحكام العملية - في صحة الاحتجاج عليه بخبر الآحاد - أشياء يخبر بها الشارع؛ ليعلمها الناس من غير أن يتوقف صحة إيمانهم على معرفتها، ومن هذا القبيل: حديث المهدي، فإذا ورد حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه سيقع في آخر الزمان كذا، حصل به العلم، ووجب الوقوف عنده من غير حاجة إلى أن يكثر رواة هذا الحديث حتى يبلغ مبلغ التواتر.
والأحاديث الواردة في شأن المهدي على وجهين:
أحاديث صرح فيها باسم المهدي؛ كحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: "المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً".
وأحاديث لم يصرح فيها بهذا الاسم، وإنما أشير إليه فيها بصفات خاصة؛ كحديث:"لو لم يبق من الدهر إلا يوم، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً".
ولم يرو في "الجامع الصحيح" للإمام البخاري حديث في شأن المهدي، وإنما ورد في "صحيح مسلم" حديث لم يصرح فيه باسمه، وحمله بعضهم على أن المراد منه: المهدي المصرح به في غيره من كتب السنة، وهو حديث جابر بن عبد الله، إذ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً، لا يعده عدداً"، وفي رواية عن جابر، وأبي سعيد الخدري في "مسلم" أيضاً: "يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال، ولا يعده".