ونضع كل حديث موضعه؛ حتى يتضح أن لا إشكال في هذه الأحاديث، وأن الشريعة لا تجيء على خلاف الحقائق العلمية في حال:
جاء في الصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"فرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد"، والأمر بالفرار من المجذوم لا وجهة له - فيما يظهر - إلا اجتناب العدوى.
وفي الصحيح أيضاً: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال:" لا يورد مُمرِض على مُصِح"؛ أي: لا يورد ذو إبل مريضة على ذي إبل صحيحة. والمعنى: أن لا تورد إبل مريضة على إبل صحيحة. وعلة النهي عن إيراد المريضة على الصحيحة: خوف العدوى.
وجاء في الصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الوياء:"إذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع في أرض، فلا تخرجوا منها".
وهذا الحديث ظاهر في أن علة النهي عن الإقدام على أرض الوباء هو الحذر من العدوى.
أما النهي عن الخروج من بلد الوياء فراراً منه، فمحمول على الكراهة، فلو خرج إنسان من البلد التي ضرب فيها الطاعون قاصداً الفرار من الإصابة به، لأتى شيئاً مكروهاً.
وعلة النهي عن الفرار من الطاعون هي فيما يظهر: أن الإذن في الخروج قد يفتح الباب لأن يخرج الأصحاء، ويترك المرضى به، فلا يجد هؤلاء المرضى من يتعهدهم، ويقوم على أمرهم؛ من نحو: طعام وسقاء وعلاج، وليس من المقبول أن يقول قائل: إن هؤلاء المرضى قد أصيبوا، ووقعوا بمقربة من الموت، فإهمالهم أخفّ شراً من بقاء الأصحاء بموطن فيه المرض